![]() |
#1
|
|||
|
|||
عاشق الديار ..قصّة
في كلِ يومٍ ، مع متّة الصباح ، كان أبو عزام يتحاور مع زوجتهِ ، حول أوضاع ولدهما عزام وتصرفاتهِ التي ـ كما يبدو ـ لم تكن ترضي والدهِ ، فهو دائم التفكير ، كثير العزلة ، قليل الأصدقاء ، تراهُ ساهماً في فضاء أحلامهِ ، كما ترى في سحنتهِ فيضاً من الكآبةِ كأنها السحب المتلبدة ، لم يكن ذلك ليروق لوالده الذي يريده رجلاً ملء ثيابهِ ، ويبني عليه الآمال في حفظ سمعة آل واكيم ، والابقاء على صورتها المثالية في محيطهِ بين عائلات المخيم ، كما يرغب بالمحافظة على استمراريتها ، بما أنهُ الذكر الوحيد لدى والديه ، حيث جاءت ولادتهِ متأخرة بعد بناتٍ أربع ، مثلما كانت نهاية الإنجاب لديهما ، وقد بلغا من العمر ما يكفيهما للآنقطاع عن الحمل والولادة ، وهذا ما جعل والده يحلم لهُ بالغدّ المشرق المأمول منهُ ، لكن حساب القرايا لاينطبق على حساب السرايا ، فعزّام لم يكن كما رغب والده ، فهو دائم الشرود ، مبالغٌ في وحدتهِ وانفراده، تراهُ حبيس غرفتهِ ، أو قلّ صومعتهِ، مثابراً على سماع الأخبار ، داسّاً أنفه بين صفحات الكتب والمجلات ، ولايشغلهُ في حياتهِ سوى ذلك ، ولايهتم لما يقولهُ الناس عنهُ . لهذا كان أبو عزام دائم التكدُر ، لايجد أمامهُ سوى محاورة زوجتهِ بهذا الأمر ، بعد أن ، عجز في تعديل مسيرة ذلك الولد الذي لايشبه سواه من أبناء جيله . كانت أم عزام تخفف عنه وتحاول إقناعه بأن الصبرَ كفيلٌ بحل جميع المشاكل . ولكنَّ ذلك لم يكن ليثنهِ عن العودة لنفس الديباجة التي أصبحت أشبه بالكوانة المهترئة ، وهذه المرة تلتقي نظراتهُ الحائرة بنظراتها المطمئّنة فيقول بيأس : ـ لقد طاش سهمي ياامرأة ، وفشلتُ بإخراج عزام ، مما هوفيه ، لا أعرف كيف سأفكهُ من قيوده وأخلصًهُ من حزنهِ وصمتهِ الدائمين ، واللهِ ما قصّرتُ معهُ بشيء، فقد هيأتُ لهُ كل ما يحتاجهُ الشباب في هذهِ المرحلة . وتبتسم العجور كاشفة عن صفٍ من الأسنان الهرمة وتقول بهدوئها المعهود : ـ هوّن عليك يارجل ، فعزّام في هذه المرحلة ، يحتاج إلى مزيد من الصبر، فهو لايزال غرّاً وجاهلاً مثلهُ في ذلك مثل أبناء جيله ، فقد يكون أسيرغرامٍ بإحدى بنات حواء اللواتي يأسرن الشباب ويملكن عليهم مشاعرهم ، وبهذا يتوهُ في سراديب الحبِّ وأحلامه الوردية ، أنسيت كيف كانت حالتك حينما كنت في مثل سنهِ؟ ابتسم الرجل ابتسامة باهتة وأجاب بعد قليل من الصمت : ـ معقول ..كم أتمنّى أن يكون ماتقولينهُ صحيحاً ، فهذا أمرٌ يمكن حلهُ بالزواج ، ولكّني لا أجزم بصحة فكرتك ، لأنَّ عزام لا يشغلهُ شاغلٌ سوى سماع الأخبار ، ودس أنفهُ بين صفحات الكتب والمجلات. ـ وهذا هو الدليل على انهُ عاشق ، فالعشاق من الشباب يعيشون أحلامهم بمطالعة سيّر أمثالهم من شخصيّات تلك القصص والروايات . ـ على كلِ حال لابدَّ لي من مراقبتهِ ، لن يهدأ لي بال قبل أن أكشف سرَّهُ وأعرف أسباب انطوائه وقبل أن تنطق العجوز بكلمة ، كان عزام قد دخل عليهما وجلس بقربها بعد أن حيّاهما تحيّة الصباح وقال بداليّةٍ : ـ ما بكما ؟ أما تملان من الأخذ والرد؟ في أي موضوع تتباحثان اليوم ؟ فقامت العجوز تربت على كتف عزام وتقول : ـ إنّ اباك يرغب بتزويجك ببنت الحلال التي تسرّ خاطرك ، وما عليك إلاّ أن تختار . وصمتت العجوز ، وحافظ الأب على صمته ، وراحا ينتظران الجواب ، أما عزام فقد أجاب بعد لحظة تفكير : ـ الظروف الآن لاتسمح بهكذا خطوة . نظر الوالدان إلى بعضهما بصمت ، ثم التفت أبو عزام إلى ولدهِ وقال باستنكار ـ عن أيّة ظروف تتحدث ؟ ماذا ينقصك ؟ ها أنت شاب مكتمل الحيّويّة ، وكل شئ معدٌ لك ولا ارى ما يمنعك من الزواج . وتدعم العجوز رأي زوجها فتقول بحنان : ـ فكر فيها يا بني ..أنا وأبوك نرغب أن نقيم لك فرحاًعلى حياة عيننا ـ أعلم ذلك يا أمي ، ولكن هناك أمور أهم ..فلماذا العجلة ؟ سيأتي ذلك اليوم الذي تفرحان بهِ بزواجي وساد الصمت ومعهُ تزايدت حيرة الوالدين ، وبعد قليل خرج عزام وتركهما لضياعهما في زحمة الأفكار والتخامين ، ومرت فترة وجيزة ، ثمَّ مزّق أبو عزام الصمت فقال : ـ لابد لي من مراقبِته ، سوف أعرف ما وراء صمتهِ وكآبتهِ وبالفعل تابع رصدهُ ، وتحرى حركاتهِ وسكناتهِ ، وتهللت أساريرهُ يوم رآهُ من خلال الزجاج يقرأ رسالة وبيدهِ صورة ينظر إليها بشغف ، فبدا لهُ أنّ أبنهُ عاشقٌ وما هذهِ الصورة إلاّ صورة محبوبتهِ التي سلبت لبّهُ ، ومع اكتشافهِ هذا هرع إلى زوجتهِ ليبشرها بنصرهِ العزيز ، لكنّ سرورهُ لم يدم طويلاً فقد اكتشف فيما بعد ، أنّ الرسالة المذكورة كانت من رفيقهِ عدنان الذي التحق بصفوف المقاومة ، ولم تكن الصورة سوى صورتهِ بلباس الميدان ، يالسوء الحظ لقد خاب الحدس وعادت الحيرة من جديد ، لكنهُ لم ييأس بل داوم على المراقبة والتحري. وفي محاولةٍ أخرى تقصّد أبو عزام الغفوة في غرفة ولدهُ ، وفي الصباحِ باكرهُ ليخبرهُ أنهُ سمعهُ يتمتم في نومهِ ويذكر اسم فتاتهِ التى يهوى .. وبناءً عليه عاد إلى سيرة الزواج وما وراءها من حِكم وأمثال ، وفهم عزام قواعد اللعبة ولعب على وتر تهدئةِ العواطف والأعصاب ، فأعلن عن رضوخهِ للأمر الواقع . فرح الرجل بهذهِ الموافقة ، وهرع إلى زوجتهِ ليبشرها بهذا الفوزالذي حققهُ ، ورقص قلب العجوز من الفرح وأطلقت لسانها بالدعاء : ـ الله يحرسك يا إبني ياعزام ، وينشّدْ طريقك ويكمل سعادتك وسعادتنا ومع الأمل مرّت بضعة أيام جاء عزام بعدها ليخبر والديه أنهُ عازم على السفر إلى بيروت ليروح عن نفسه ، وعند عودتهِ ، سيتداول معهما في أمر الخطوبة ، واستقبل الوالدان فكرتهِ باستحسان ودعيا لهُ بالتوفيق ، وراحا ينتظران حلمهما المنشود ، ومرت الفترة المفترضة دون يعود عزام ، لكنّه أخبرهما برسالةٍ منهُ ، أنّ معشوقتهِ الأولى والأخيرة ، هي الديار المقدسة التي يدنسها الغاصبون ، وعليهِ فقد التحق بالمقاومة ، ليشاركَ في تحريرها من جور ذلك المحتل الغاشم . حزنت العجوز مما سمعت ، وأكبر أبو عزام فكرة ولدهِ ، لكنَّه كان خائفاً عليه ، وبالنتيجة لم يكن لديه متسع للتصرّف سوى التسليم بالأمر الواقع ، وراحت الأيام تجري وبعدها السنون حتّى جاء اليوم الذي عاد بهِ عزام شهيداً ، وجاء المعزون من كل حدب وصوب ، والجديد بالموضوع هو خروج أبوعزام للمعزين بعين مفتوحة ورأس مرفوع ، ومخاطبتهم بصوته الجهوري : يا أهلي ويا أبناء جلدتي ، لم أعد المقصّر بينكم ، فأنا الآن أبو الشهيد ، وكما ترون فقد قدمتُ وحيدي قرباناً صالحاًعلى مذبح الشرف والكرامة ، وما يعزيني الآن هو أنهُ مايزال هنالك شبابٌ يؤكدون أنهم خير من يطالب بحقٍ مسلوب ، ويدافع عن كرامةٍ مهدورة . .................................. من يطمح لاحترام الناس يجب ان يكون كالسنبلة المعطاءة التي تحني رأسها تواضعاً |
Sponsored Links | |
|
#2
|
||||
|
||||
شكرا لك أخي سليمان رحّـال.
الرحمة لكل شهداء سوريا ولكل شهداء المقاومة ولكل شهداء القوى الصديقة لسوريا كلي أمل أن نعود لـ سوريا و سوريا تحتضن جميع أبنائها والقدس ستبقى العنوان شكراً أبا محفوض .
__________________
الأرض التي تقع عليها متـألماً عليها تتكئ وتقف من جديد
|
#3
|
|||
|
|||
الصديق أبو هاني المحترم : أشكرك على مشاركتك الرائعة ، وأدعو معك لأجل سوريتنا الحبيبة ، ولن ننسى فلسطين
|
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
Sponsored Links | |
|